Pen

لاشك أن التحكيم بات يشكل أهمية كبيرة في جذب الاستثمارات وتحقيق النمو والاستقرار في الاقتصاد الوطني لأي دولة، كما أن التحكيم قديم في نشأته ويحظى باهتمام كبير لما يمتاز به من حرية اختيار المحكمين وسهولة الإجراءات والسرية وحفظ الود بين الأطراف والتخصص والسرعة في حل النزاعات، مما يحول دون تكدس القضايا أمام المحاكم النظامية مخففة بذلك العبء عنها وبالتالي خدمة مصالح الدولة.

وكان شائعاً عند الإغريق القدماء والرومان حتى قال (أرسطو) عن التحكيم أن الأطراف المتنازعة يستطيعون تفضيل التحكيم على القضاء ذلك لأن المحكم يرى العدالة بينما لا يعتد القاضي إلا بالتشريع)، كما عرفه العرب في الجاهليّة ، وإذا حصل نزاع بين الأفراد أو بين القبائل لجئوا إلى التحكيم، وقد ورد التحكيم في القرآن الكريم في شأن إصلاح العلاقة الزوجية : يقول الله سبحانه و تعالى في محكم تنزيله (فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما)، وقد حقن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم دماء قومه في جاهليّتهم بالتّحكيم لمّا أرادوا أن يرفعوا الحجر الأسود واختصموا فيه حتّى كادوا يتقاتلون قالوا : يحكم بيننا أوّل رجل يخرج من هذه السِّكة فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أول من خرج ، ليحكم في المسألة .

كما يساهم المجمع العربي للتحكيم في دعم التنمية الاقتصادية في الدول العربية ويعزز من أداء البيئة الاستثمارية خاصة وأن الحكومات العربية تحرص بصورة دائمة على دعمها بالقوانين والتشريعات الفعالة المواكبة للتطورات الاقتصادية التي تشهدها الدول على كافة الأصعدة والمستويات .

وان المجمع العربي للتحكيم قطع شوطاً كبيراً ومتميزاً في شتى المجالات، ومنها تسخير وتوفيرالآليات القانونية لتهيئة البيئة الملائمة للإنجازات الاقتصادية لاي جهة تتواصل معنا فردية او مؤسسية او على مستوى حكومات دول ، كما أن دراسات وفعاليات وبرامج الامانة العامة للمجمع العربي للتحكيم تضع مؤشراً ينبئ بازدهار عصر التحكيم في دول الشرق الاوسط ، ويبقى موضوع صدور قوانين مستقلة أملاً يترقبه جميع الخبراء والمستشارين القانونيين في ظل النهضة التي تشهدها الدول على كافة الأصعدة، ومنها استحداث تشريعات تخدم أهداف هذا التطور ، كما هو شأن مشروع القانون المساير للعصر والذي يضاهي الأنظمة العالمية المتبعة بما يتماشى والمعايير الدولية.

كما أنه لا يخفى عليكم أن هناك توجهاً دولياً و إقليمياً ومحلياً واضحاً يصب في تعزيز آلية التحكيم كوسيلة خاصة لفض بعض أصناف النزاعات خاصة وأن بعض النزاعات المعروضة على التحكيم عموماً والتحكيم الدولي خصوصاً بلغت حداً من التعقيد (نذكر منها على سبيل المثال مسائل النقل البحري، والتعويض في التأمين، وعمليات الاستثمار الحديثة، ومشروعات البناء والإدارة وإحالة الملكية، والتمويل المصرفي المجمع، وبناء محطات الكهرباء وتحلية المياه، والتعاملات المختلفة في البورصة الخ...) بحيث استوجبت ضرورة التخصص. وهنا يكون للتحكيم إضافة نوعية بفضل تأهيل المحكمين والخبراء في مجالات متشعبة، وبذلك يكون التحكيم أنسب وأفضل صيغة لفض مثل هذه النزاعات.

ومع تنامي دور التجارة الدولية واتساع نطاق المنازعات وتعقيدها، انحصر نطاق التحكيم الحر ليتم الاحتكام أمام هيئات ومراكز تحكيم دائمة توفر للخصوم عديد الضمانات وذلك بما لديها من أجهزة فنية وطاقات بشرية قادرة على متابعة ملف التحكيم في كل أطواره وبتفرعاته، والتحكيم على أهميته وخصوصياته يبقى على صلة وثيقة بسلطة القضاء الرسمي فيما يتعلق برقابة الأحكام والقرارات التحكيمية إلى جانب الوظائف المتعلقة بمساندة الهيئات التحكيمية لتحقيق أغراضها فالتحكيم لا يستغني استغناء مطلقا عن القضاء لأن العملية التحكيمية تحتاج إلى تدخل القضاء كمساند للتحكيم سواء عند سير التحكيم فيما يخرج عن ولاية المحكمين، أو عند التنفيذ بعد صدور حكم التحكيم.

واخيرا ، لا بد ان نشير بان المجمع العربي للتحكيم بكل امكانياته العلمية القانونية والمهنية ما هو الا جهة مسخرة لخدمة الامة العربية من شرقها الى غربها والمهمة الأساسية هو خدمة القطاعات الاقتصادية في الدول العربية بكافة مستوياتها المؤسسية والفردية في مجال التحكيم والخدمات المرادفة له ، ومن هنا فان المجمع يضع على قمة أولياته إسناد القطاع الخاص وبعض مؤسسات القطاع العام في الدول العربية في حال اسندت اليه ذلك بآلية للتحكيم المؤسسي بشكل أساسي وللتحكيم الحر في حالات أخرى .